ذاعت هذه الكلمة وانتشرت على صفحات الفيس بوك تزامنا مع وفاة صاحب الذكر الحسن الحاج محمود العربي – رحمه الله وطيب ثراه- الذي بنى نفسه بنفسه ووهب حياته لغيره فوارى التراب جثته، لتبقى بين الناس سيرته، وقد كنت أظن كغيري أن كلمة رجل عصامي مقولة عادية تدل على بناء النفس دون اعتماد على الغير، لكن اكتشفت أن “عصامي” لها صلة نسب مع حاجب النعمان “عصام بن شهيرة” وقيل: “ابن شهبر” ولم يكن من الأعيان، لكن فصاحته وفروسيته أهلته لثقة النعمان فكان إذا أراد أن يبعث بألف فارس بعث بعصام، وعُدَّ من أعلام العرب أيام الجاهلية، حتى قال فيه النابغة الذبياني :
نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامَا وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ وَالإِقْدَامَا
وَصَيَّرَتْهُ مَلِكًا هُمَامَا حَتَّى عَلاَ وَجَاوَزَ الأَقْوَامَا
ومِن هناك قالت العرب: كُن عصاميًّا ولا تكن عظاميًّا؛ أي: افْخَر بشرف نفسك لا بعظام أجدادك، ومن طرائف مصطلح عصامي : أنه ذات مرة دخل رجل على الحجاج يريد حاجة، فقال له الحجاج : أعصامياً أنت أم عظامياً ؟ فرد الرجل : أنا عصامي وعظامي، فاستحسن الحجاج إجابته، معتقداً أنه يفتخر بنفسه لفضله، وبآبائه لشرفهم، فلبى طلبه وقرّبه له، وبعد وقت عرف عنه الجهل والغباء، فقال له الحجاج : أصدقني وإلا دققت عنقك، كيف أجبتني بما أجبت لما سألتك عما سألت؟!، فقال الرجل: والله لم أعلم أيهما خير، العصامي أم العظامي؟، وخشيت أن أخطئ فقلت أقول كليهما فإن ضرتني الأولى نفعتني الثانية، فقال الحجاج : المقادير تصيّر الغبي خطيباً، وهذه المعاني الفريدة للعصامي دفعت أحد الشعراء للقول:
كُنْ ابْنَ مَنْ شِئْتَ وَاكْتَسِبْ أَدَبًا يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ
فَلَيْسَ يُغْنِي الْحَسِيبَ نِسْبَتُهُ بِلاَ لِسَانٍ لَهُ وَلاَ أَدَبِ
إِنَّ الْفَتَى مَنْ يَقُولُ هَا أَنَا ذَا لَيْسَ الْفَتَى مَنْ يَقُولُ كَانَ أَبِي
وهذه الثقة بالنفس والاستغناء عن الآخرين ولو كانوا من المقربين هزت أبا الطيِّب المتنبي ليقول:
لاَ بِقَوْمِي شَرُفْتُ بَلْ شَرُفُوا بِي وَبجِدِّي فَخَرْتُ لاَ بِجِدُوْدِي
فرحم الله عصامي هذا الزمان – #الحاج_محمود_العربي- وعصامي زمن النعمان – عصام- وأحسن عاقبتنا وجمعنا بهم على خير منتهية مسيرتنا، باقية بالخير سيرتنا.
