محمد الغريب يكتب: الكد والسعاية .. إنصاف للمرأة أم مظلمة للرجل؟

الكد والنكد كلمتان شائعتان رائجتان مؤخراً بعد تصريحات وتلميحات شيخ الأزهر الشريف إلى ضرورة إحياء ما أسماه فتوى تراثية قديمة، ولست أدري لما لم يصرح فضيلته وهو من أعلم الناس بنسبتها مباشرة إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فحملها إلى مجهول؟، وماذا عنها هل هي فتوى أم حكم.. خاصة وأنها خرجت عن ولي أمر المسلمين في حينه؟
وفي خضم معركة الفتوى المزعومة “حق الكد والسعاية” خرج أبناء المؤسسة الرسمية التي لم يُعهد لأتباعها تقدير حساسية ما يصدر عنهم ما بين اجتهاد شخصي يصيب ويخطيء، وبين ما ينسب للدين بحكم العرف في جعلها مؤسسة ناطقة باسمه ولها تأثيرها السلبي والإيجابي، فادعى من ادعى وجود تشريعات وشروط إيمانية جديدة تفرض بعد أكثر من 14 قرناً من الهجرة فقال:” يؤدوها لو كانوا مؤمنين”. وحق لعضو قومي المرأة السابقة أن تخرج علينا وتتساءل: “لما هو موجود مطلعش من بدري ليه؟!”، ولن يكون مبرراً أنها كانت في توصيات ذات المؤسسة قبل ثلاث أعوام أو يزيد، فليست بفتوى أو حكم يرجى نفعه أو التمسح فيه لعدة أسباب، سنحاول إجمالها ولكن قبل التطرق للمسألة فليس عندي أشخاص في دين الله لهم من العصمة غير أصحاب النبوة والرسالة، بينما ادعاء العصمة لمنصب فلا حجة ولا برهان عليها.
والحق أن كلام الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، عندي ليس فيه إشكال، غير أنه فتح باباً للقيل والقال وخلق حالة كان المجتمع في غنى عنها، وزادت من حالة الاستقطاب النسوي، كما عهد في شأن مسؤوليته عن الأصل في الزواج واحدة فما حمله اجتهاده دفع عموم الرويبضة لتحريم ما أحل الله لعباده والدفع بقوانين ما أنزل الله بها من سلطان كتجريم حق الرجل في أن يكون له من النساء نصيباً منصوصا وإن كان فضيلته بحث بحسن نية عن علاج ضروري لأزمة التعدد مع الظلم، وحديثه الآخر الذي بادر البعض في التعريض بالنكد كدافع يستوجب حق الجباية من أموال الرجل الذي بات منزوع القوامة على زوجته فأبيح لها أن تعصيه وأن تنشز متى شاءت ويقع هو تحت طائلة مدفوعات الأجندة النسوية ينهشن جسده بدعم أشباه الرجال، فما كان ضره لو ترك المسألة للقضاء ( نزاعات مالية) إن كان للزوجة حق في شراكة وأخذ ما أخذ بسيف التسلط والجبروت دون أن تطرح على العامة فينال منها أصحاب الأجندات المشبوهة.
أتفهم أن يكون حديث فضيلته مع الدستورية العليا أو العدل داعماً إياهم بقضاء أمير المؤمنين عُمر على سبيل الاستشهاد لا الجزم في استرداد ما سلب بسيف الظلم من إمرأة لديها أدلة دامغة على حقها، لا أن تكون مشاعاً لمن ترغب في النيل من الرجل والجور على حقه.
وبالعودة إلى الكد والسعاية أو الفتوى العمرية التي أراد النباشون عن ضربة سريعة للباحث الغارق وإعلامي الترفيه كانت منعرجا خطيراً خاصة وأنها زعمت جدلاً وجودها كنص تشريعي، وهو غاية التدليس الذي روج له على مدار ثلاثة أيام، فكانت شرطاً لإسلام أهل المتوفى وفق هوى المبروك وصاحب العطايا، وكانت حق أصيل لمن شاركت دون نسبة تذكر أو ربما بعمل بيضتين مسلوقتين وفق الفتى المدلل والمهمش وصاحب النسبة.
حاولت استقراء هذه الفتوى المزعومة وذهبت إلى من تطرقوا إليها من المغاربة وهم مجتمع سبقنا إلى ما يرضي بني علمان فكانت حجتهم التي انعرجوا عليها من القرآن الكريم أنه باعتباره جاء مؤطراً للقواعد الكبرى الناظمة للشريعة الإسلامية، قوله تعالى:(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى)، وذهبوا إلى أن الآية إقرار ضمني على استقلال كل من الزوجين في كسبه وماله وسعيه، وافترضوا أنها نص على إحدى النوازل الفقهية وهي “السعاية في حق نساء القرى والبادية”، ومضوا إلى القول بأن المبادئ العامة الشريعة الإسلامية تقوم على العدل والإنصاف الأسري، والتي على أساسها قعدت الشريعة استقلال الذمة المالية لكل أفراد الأسرة من زوجين وأبناء، فنصت على أن لكل واحد من الزوجين ملكية نصيب من كسبه مستقلا عن الآخر تملكا وتصرفا، ومنها شرع الفقهاء أنه لا نص يلزم الزوجة بخدمة الزوج، ولا بإرضاع أبنائها منه، بل أوجبت على الزوج النفقة مطلقا عليها، وهو كلام عارٍ عن الأسانيد الشرعية فليس في شريعة الإسلام ما يجعل للزوجة استقلال عن زوجها مالياً وكافة من يرددون هذه الفتاوى يقولون بشأن الذكر والأنثى، أو المرأة والرجل ويكأن الزوجة والزوج كائنين منفصلين وقد أراد المولى تبارك وتعالى خلاف ذلك فالقرآن يخبرنا عن الزوجين بقوله:”وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرحْمَةً”، وفي أخرى :”وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ”.
كما أن طاعة الزوج من أسباب دخول الجنة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث : “إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ”، وعليها ألا تخرج من بيت الزوجية إلا بإذنه، سواء أكان الإذن خاصاً، أم عاماً، فإن منعها من الخروج لم يجز لها أن تخرج، فإن خرجت فهي آثمة، وليس كما يقول المبروك “إن شاله ما عن أهله وافق”.
أما الدليل الثالث وهو قول الصحابي ويذهبون فيه إلى ما قضى به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أمر لم يثبت صحته كان في قضية عمرو بن الحارث وزوجته حبيبة بنت زريق عمة عبد الله بن الأرقم حيث كانت حبيبة نساجة طرازة ترقم الثياب والعمائم، وهو تاجر، وكل واحد يعمل بما عنده حتى اكتسبوا أموالا على الأصناف، فترافعت مع الورثة إلى أمير المؤمنين فقضى بينهما بالشراكة نصفين، ثم بالربع من نصيب الزوج باعتبارها وارثة دون ولد، فالحديث هنا وإن صح فهو قضاء وحكم وليس فتوى.
وقد بالغ المغاربة ومن على دربهم في التلاعب بأن قالوا في تعريفهم أن الثابت فقهاً وقضاءً أن الكد والسعاية هو مقابل الشغل وحق الجراية، أي حق المرأة في الثروة التي يُنشئها ويُكوِّنها الزوج خلال فترة الزواج، بحيث تحصل على سعيها مقابل ما بذلته من مجهودات مادية ومعنوية في تكوين هذه الثروة، فبأي منطق أن يكون دليلهم الأول في حجية السعاية هو قول الحق تبارك وتعالى أن للإنسان ما سعى ويقولون بالسعي المعنوي فهل يتكسب الإنسان بالدعاء مثلاً؟! وهل يتساوى من بذل الجهد التكسب مع آخر قال له كلمة تحفيزية؟! وهل تستحق النصف مهما كانت نسبة مشاركتها.
ختاماً.. لست ممن يقللون من قدر عالم بل الأمر اجتهاد كما اجتهدوا ومراجعة للصواب، وكلِ رجاء أن يحفظ رجل الدين والعلماني ومن يسمون أنفسهم بالحقوقيين وغيرهم للزواج قدسيته فلم يجعل الله لهم وصاية على الشؤون الخاصة وليكتف كل منهم بأن يبحث ويتعمق ويعي أن دوره ليس مُشرعاً ومتداخلاً وإلا لكان النبي صلى الله عليه وسلم أحق بتلك الوصاية فمما ثبت أن رجلا لطمَ امرأته ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يُقِصّها منه ، فأنزل الله: “الرجالُ قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم”، فدعاه النبيّ صلى الله عليه وسلم فتلاها عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: “أردتُ أمرًا وأراد الله غيرَه” رواه الطبري، وهذا إسناد صحيح، واعلموا أن التعدد حق أنيطت به حكمة وجعل لكل رجل أن ينظر في نفسه لا أن ينظر عنه أحد، وارفعوا وصايتكم، فما كدكم ولا نكدكم سوى جباية تعكرون بها أكثر مما تصلحون.

شاهد أيضاً

نجوي ابراهيم تكتب : جرائم ٰترتكب في حق شركة الكوك[1]

  منذ الإعلان عن تصفية شركة الكوك والتساؤلات تزداد يوما بعد يوم .. لماذا الإصرار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

function get_the_time( $format = '', $post = null ) { $post = get_post( $post ); if ( ! $post ) { return false; } $_format = ! empty( $format ) ? $format : get_option( 'time_format' ); $the_time = get_post_time( $_format, false, $post, true ); /** * Filters the time a post was written. * * @since 1.5.0 * * @param string $the_time The formatted time. * @param string $format Format to use for retrieving the time the post * was written. Accepts 'G', 'U', or PHP date format. * @param int|WP_Post $post WP_Post object or ID. */ return apply_filters( 'get_the_time', $the_time, $format, $post ); }